*الأخبار» في قرى «الشريط»: صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم*

عاجل

الفئة

shadow


*جريدة الأخبار  آمال خليل*  

الإثنين 25 آذار 2024

منذ ستة أشهر، يتدبّر أهالي بلدتَي القصير ودير سريان (قضاء مرجعيون) أمورهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي بما تيسّر.
«تأقلموا» مع الأزمة بعدما اكتسبوا خبرة طويلة في التعاطي مع العدوّ منذ ما قبل الاحتلال عام 1978 وحتى عدوان تموز 2006. 
في العدوان الحالي، لم تستهدف الغارات والقصف المباشر منازلهم كما في البلدات المجاورة مثل الطيبة والعديسة والقنطرة وعدشيت القصير، لكنه حاصرهم من كل الجهات وأعاق وصولهم إلى أراضيهم المزروعة في الأطراف والوديان. 
في عدوان تموز 2006، اضطرّت منى ناصر (65 عاماً) إلى النزوح من منزلها في دير سريان، بعد 21 يوماً إثر اشتداد معركة وادي الحجير الذي يقع في سفح البلدة. مشت عشرين كيلومتراً، من منزلها إلى جسر نهر الليطاني عند مدخل بلدة قعقعية الجسر. «كان الجسر مدمراً، فقطعنا النهر على الأحجار».
كانت تلك المرة الأولى التي تغادر فيها ناصر مسقط رأسها. لم تفعل ذلك حتى في «أيام الشريط الحدودي» عندما اعتقل جيش الاحتلال شقيقها وشقيقتها وعدداً من أقربائها في معتقل الخيام. أما في عدوان 2023، فقد اضطرت إلى الخروج لأيام قليلة بعدما استهدفت غارات عنيفة منازل بين الطيبة ودير سريان. 
لكنها، حسمت أمرها لاحقاً وقررت البقاء لأن «شو بدو يصير أكثر مما رأيناه من إسرائيل منذ ولدنا».  
في «الحاكورة»، أمام منزلها الحجري، جهّزت مع شقيقها وشقيقتها منذ ثلاثة أشهر شتول التبغ الجاهزة للغرس، إذ إن الأسرة من أكبر مزارعي التبغ في البلدة منذ سنوات طويلة.  
بسبب العدوان هذا العام، «سنزرع سبعة دونمات فقط، وسنعتمد على أنفسنا بعدما غادر العمال السوريون المنطقة بسبب الحرب».
تتوزع البيوت القليلة في دير سريان بين مروج خضراء شاسعة تزرع بالقمح والعدس والخضر والتبغ، إضافة إلى مساحات من المراعي والمناحل. بحسب رئيس البلدية، فضل كريم، يوجد في البلدة حوالي 15 من مربي المواشي والأبقار.
مع بداية العدوان، اضطرّ بعضهم إلى بيع أبقاره أو نقلها إلى بلدات أكثر أمناً.
فيما لا يزال آخرون يجدون مساحات لرعيها بالقرب من المنازل.
إلا أن الخسارة الكبيرة سجلت في قطاع النحل، إذ «تنتج دير سريان حوالي 500 كيلو من العسل سنوياً. ومنذ بداية العدوان، نجد صعوبة في نقل المناحل التي نضعها عادة في الوديان والأطراف البعيدة». 
ويلفت كريم، وهو أحد مربّي النحل، إلى أن بداية العدوان تزامنت مع موسم نقل المناحل إلى البساتين الساحلية لجني العسل الربيعي، «ولم نتمكن من نقله لأن هذه العملية يجب أن تتم ليلاً وتعرّضنا لخطر الاستهداف».
في أقصى الجبل الذي ترتفع فوقه دير سريان وتشرف على أودية الليطاني والحجير، تقع بلدة القصير. عشرة من منازلها الثلاثين لم يغادرها ساكنوها، إضافة إلى مزارعين من خارج البلدة، يتخذونها عادة مشتى لمواشيهم. ليس للبلدة الصغيرة المنعزلة بلدية، بل مختار فقط.  
اعتاد أهلها المزارعون منذ عقود على تسيير شؤونهم بمواردهم الخاصة، لكن أزمة مياه مرتقبة تهددهم كما تهدد الصامدين في دير سريان.
ويشير كريم إلى أن «فرق مؤسسة مياه لبنان الجنوبي لم تستطع في الفترة الماضية الوصول إلى مشروع الطيبة في وادي الليطاني لتشغيله وتزويد البلدات بالمياه.
في الأشهر الماضية، اعتمدنا على تجميع مياه الشتاء للاستخدام المنزلي والريّ.
لكننا سنكون بحاجة إلى مياه الدولة مع نهاية الربيع».
تتصل أحياء دير سريان بأحياء الطيبة. عند حدود البلدتين، استهدف العدوّ منزلاً أحاله ركاماً بين حقول القمح.
وفي الطريق باتجاه ساحة الطيبة، يتكرر الركام على الطريق العام.
غارات متتالية استهدفت منازل في وسط البلدة، ما أجبر معظم أهالي البلدة على المغادرة بعد سقوط شهداء.
ولم تسلم المدرسة الرسمية من الضرر بعد استهداف منزلين مجاورين لها.
تجمّع ما بقي من الأهالي في محيط الساحة التي كانت لا تزال لأشهرٍ بعيدةً عن الغارات.

لكن العدوّ لاحقهم إليها ودمّر منزلاً، ما أجبر كثيرين على النزوح.
أقفلت معظم المحال المحيطة بالساحة التي كانت مقصداً لأهالي البلدات المحيطة. 
كثير من النازحين لم ينقطعوا عن تفقد البلدة. يزورونها خلال النهار ويغادرونها قبل حلول المساء تفادياً لغدر الغارات.
وفي العديسة، تتراجع حركة السير أكثر في البلدة التي يرابض فوقها موقع مستعمرة مسكفعام، 
ما جعلها عرضة للاستهداف الدائم. معظم أهالي العديسة نزحوا، منهم من اضطر إلى المغادرة بسبب أطفاله ولمتابعة الدراسة في مدارس أخرى بعد إقفال مدارس الحدود أو لتحصيل لقمة عيشه في مكان آخر.  
فيما يتعمّد العدوّ ترهيب الأهالي، ليس بقصف المنازل والمحال فقط، بل أيضاً بقنص السيارات التي تمرّ قبالة الموقع على طريق العديسة - كفركلا المحاذية للشريط الشائك.
آخر الاستهدافات طاول منازل ومحالّ مقابلة لعين العديسة التراثية، ودمر جزءاً منها. 
لكن، برغم كل محاولات إسرائيل لإفراغ البلدات الحدودية،
لا يزال هناك من يصرّ على التحدي.
منهم رفيق ضاهر ابن بلدة كفركلا الذي لم ينزح عنها، 
ولم يتوقف عن التجول بـ«فانه» بين البلدات الحدودية لتسليم البضائع للدكاكين التي لا تزال مفتوحة.
تقوده جولته في يوم واحد إلى حولا جنوباً وإلى حلتا في خراج كفرشوبا شرقاً.
«تعرّضت للقنص على طريق كفركلا والعديسة ومركبا وحولا.
لكن لن أتوقف ولن أمتثل لتهديد إسرائيل».

الناشر

علي نعمة
علي نعمة

shadow

أخبار ذات صلة